الدور الإماراتي الفرنسي “الهدّام” في ليبيا والقارة الافريقية بشكل عام
تُعتبر فرنسا من أهم الفواعل الدولية في المشهد الليبي منذ ثورة 16 فبراير/ شباط 2011، ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي، لِما لها من نفوذ، وهي التي قادت عمليات التدخل التي شنّها حلف شمال الأطلسي “الناتو” لإسقاط القذافي في مارس/ آذار 2011، وبعد أقل من شهر تقريباً على قيام الثورة الليبية، تمدّد الدور الفرنسي خلال السنوات العشر الماضية، إلى درجة تعارض هذا الدور مع دول أعضاء في حلف الناتو، مثل إيطاليا وتركيا.
وبما أن ليبيا هي الدولة الخامسة عربياً من حيث احتياطيات النفط، تسعى فرنسا للحصول على النسبة الأعظم من صادرات النفط الليبي، والسيطرة عليها.
فوفق التقارير الدورية الصادرة عن منظمة أوبك، يصل حجم احتياطيات ليبيا إلى حوالي 50 مليار برميل، كما يوجد فيها نحو 1.5 تريليون متر مكعب احتياطي من الغاز الطبيعي. وكانت باريس تحصل قبل الثورة على 17% من صادرات النفط الليبية، لترتفع بعدها إلى نحو 33% منها، وتستهلك المحروقات في فرنسا نحو 99% من واراداتها من النفط الليبي.
كما تسعى فرنسا نحو أن تكون لها حصة من عمليات إعادة الإعمار التي يمكن أن تشهدها ليبيا بعد استقرار الأوضاع الأمنية فيها، والتي قدّرت الحكومة الفرنسية في عام 2011 أن ليبيا تحتاج نحو 200 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما قدّرتها الحكومة البريطانية بنحو 320 مليار دولار، وهي أرقام تضاعفت بعد عمليات التخريب والتدمير الشامل التي تعرّضت لها الدولة الليبية خلال السنوات التسع الماضية.
ويزيد من أهمية هذا الهدف التنافس الفرنسي مع تركيا في مشروعات إعادة الإعمار، وخصوصا أن تركيا لها نحو 18 مليار دولار عالقة في ليبيا، فقد كانت قد وقعت مع نظام القذافي استثمارات مشتركة في البنية التحتية بنحو 24 ملياراً. ومع توتر العلاقات الفرنسية التركية على المسرح الليبي، ستكون فرنسا أكثر حرصاً على تعظيم حصتها في عمليات إعادة الإعمار.
من جهة أخرى، تريد أبوظبي، حليف باريس الجديد، توسيع رقعة تأثيرها ونفوذها في إفريقيا وهي تتحرك في هذا الصدد بمساعدة أبرز حلفائها ألا وهم الفرنسيين في كل منطقة على حدة، فبواسطة رؤيتها هـذه يمكن للسياسة الخارجية للإمارات أن تجد زخماً كبيراً يمكنها من ممارسـة قوتها الناعمة.
تلك القوة يُراد منها كسب أصوات الدول الافريقية في المنظمات الأممية والدولية، والسبقُ للسيطرة على الموانئ البحرية وعقد الشراكات والإتفاقيات بعد الإكتشافات الكثيرة من إحتياطيات النفط والطاقة والغاز وكذلك مضاعفة تطوير وضع الإمارات كمركز تجاري لتصدير المنتجات والسلع إلى الأسواق الافريقية.
العلاقات الإماراتية-الفرنسية في ليبيا، أنتجت تحالفاً استراتيجياً عسكرياً هو الأول من نوعه بين بلد طالما أحجم عن التدخل العسكري دون غطاء خليجي أو دولي.
وبدأت الدولتان في دعم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر عسكرياً بالعتاد والطائرات وقامت ببناء قاعدة عسكرية في الجنوب الليبي، التي إتضح لاحقاً ان الغرض منها تنفيذ مخطط إنقلابي في تشاد.
هذا الدعم الإماراتي العلني للجيش كان واضحاً. لكن، إتضح لاحقاً أن أبو ظبي كانت تدعم قوات حكومة الوفاق الوطني الليبي خِفيةً، الأمر الذي فاقم من شدة الصراع والحرب الأهلية بين شرق وغرب ليبيا.
كما برز دور الامارات السلبي في الصراع الليبي، حينما مدت أبوظبي قوات حفتر بالمرتزقة السودانيين والتشاديين، الذين انقلب الكثير منهم اليوم، وقاموا بمبايعة تنظيم داعش الارهابي في الجنوب الليبي.
وقد حصلت وكالات إعلامية آنذاك على وثائق ومعلومات تكشف استخدام الإمارات للأجواء السودانية في نقل مئات المرتزقة الذين جندهم محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس المجلس العسكري بالسودان لصالح الامارات، من القبائل العربية بدارفور وبعض الدول الأفريقية المجاورة، إلى ليبيا واليمن عبر إريتريا.
وكشفت إحدى الوثائق الموجهة من سفارة الإمارات إلى السلطات السودانية المعنية عبر الخارجية عن أن أبو ظبي طلبت الحصول على تصريح دبلوماسي لطائرتين من نوع “C130+G17 ” تابعتين للقوات المسلحة الإماراتية للعبور والهبوط بمطار الجنينة غربي السودان، من عصب في إريتريا ذهاباً، ومن الجنينة إلى عصب في إريتريا عودة.
وفي رسالة أخرى طلبت تلك السفارة من السلطات المعنية الحصول على تصريح دبلوماسي لطائرتين من نوع “C17 ” تابعتين للقوات المسلحة الإماراتية للعبور والهبوط بمطار الخرطوم، خلال عبورها لنقل “ركاب وحمولات متفرقة” من الخرطوم إلى الخروبة في ليبيا. حيث تم تجميع غالبية تلك العناصر داخل السودان، ثم ترحيلهم بعد ذلك بطائرات خاصة من الجنينة غربي البلاد لتلقي التدريب العسكري بواسطة شركة بلاك ووتر الأميركية.
يرى متابعو الشأن الإفريقي بأن الإمارات قامت بالإتفاق مع فرنسا على تغيير مسار القوى والإستراتيجيات في هذه القارة بهدف خلق مزيد من البلبلة والعنف في مناطق النزاع الإفريقية، من أجل السيطرة على الموارد العديدة التي تنعم بها بلدان القارة السمراء. فإن سياسات فرّق تسد، والأرض المحروقة، وتجويع الشعوب، هي السياسات التي يتسم بها العالم المعاصر من مشرقه الى مغربه، وفرص الاستمرارية والبقاء تبقى للأقوى والأدهى.