النوبيون الأقلية الاكثر حرمانا من حقوقهم بين المصريين.. السيسي غدر بهم وكتم أصواتهم
ايهاب عطا – صحفي وباحث في دراسات المستقبل
في تغطيتي لملف حقوق الإنسان والأقليات في مصر لما يقرب من 15 عاما، عشت معهم مشاكلهم وكنت صوتا أزعم أنه كان حرا ومحايدا في تبني مطالبهم والدفاع عن حقوقهم، ومشاركتهم أحلامهم ودعمهم معنويا وإعلاميا لتوصيل رسالتهم النظام الحاكم وللرأي العام، وكان النوبيون من الأقليات التي عايشت اوضاعهم عن قرب لسنوات وزرت قراهم وبيوتهم وشعرت بآلامهم ومعاناتهم داخل مجتمعاتهم ووطنهم الذي فرض عليهم نظامه العسكري الحاكم قيودا، جعلتهم رعايا وليسوا مواطنين، بل ربما الرعايا يتمتعون بحقوق أكثر من الحقوق التي كان النظام يمن عليهم بها، فلنتخيل أن النوبي شديد الارتباط بالتوبة القديمة مهد حياته ومنشأ ثقافته وعاداته وتقاليده لم يكن مسموحا لأي نوبي بزيارتها الا بتصريح أمني من ضابط المخابرات المسؤول عن المنطقة، وكنت شاهدا على واقعة ادهشتني وزادت من قلقي على النوبيين وعلى وحدة الشعب المصري التي تتعرض الانشقاق والانقسام بسبب ممارسات النظام العسكري، الذي استغل النوبيين في بداية حكمه وما أن تمكن من الحكم حتى غدر بهم وكتم أفواههم وزاد من حرمانهم من أبسط حقوقهم، وكنت قد كتبت مقالا في وقت تلك الواقعة وكان في بدايات حكم السيسي لكنها منعت من النشر، وأود أن اشارككم ما فيه من معلومات وتفاصيل لا يعرفها كثير منا، فألى نص المقال.
في زيارتي الأخيرة لأسوان والنوبة والتي استمرت لعدة ايام لم يكن ممكنا ان نتجنب او أغض الطرف عن رصد ملامح الاختلاف في الفكر والتوجه والاداء بين كيانات وهيئات وجمعيات وكذلك نشطاء وقيادات النوبة والمسئولين عن الملف النوبي امام الرئاسة واهالي النوبة ، هذا الاختلاف يصنفهم ويقسمهم الى معسكرين اذا جاز الوصف والتعبير هما معسكر “الحمائم” ومعسكر “الصقور” .
الحمائم والذين يمثلون الاتجاه السلمي في تبني مطالب النوبيين في قضية اعادة التوطين في النوبة القديمة ومحاولة مسك العصاة من المنتصف في تعاملهم مع الدولة والنظام فلا يميلون للمواجهة المباشرة والتصعيد او الصدام مما يترتب عليه تعقيد الامور واضعاف موقفهم في المطالبة بحقهم القديم ، ويقود هذا التيار داخل المجتمع النوبي الذي يمتد بطول النيل من ابو سمبل جنوبا حتى الاسكندرية شمالا “عادل ابو بكر” او كما يلقبونه “الحاج عادل” وهو على حد وصف احد الموالين له يمثل كيانا نوبيا قائما بذاته بعلاقته العنكبوتية داخل المجتمع النوبي والاسواني على حد سواء وهو احد مؤسسي الاتحاد النوبي العام الذي يعد احد اهم الهيئات التي تتبنى الدفاع عن القضية النوبية في المرحلة الحالية ويتضامن معه الخبير المحاسبي د. عبد الوهاب مصطفى .
اما معسكر الصقور والذي يتبنى اتجاه الضغط على النظام المصري والمواجهة ويستخدم كل سبل التصعيد داخليا وخارجيا ويتواصل احيانا مع النظام الحالي عبر قنواته الشرعية من خلال اقامة قنوات اتصال مع محافظ اسوان ومعظم القيادات في مؤسسات الدولة ، وينسق معهم للوصول الى حلول يراها البعض مؤقته مثل استحسان خطوة الدولة في انشاء مشروع توطين اهالي النوبة في وادي “كركر” رغم ما به من سلبيات وعيوب اهمها البعد التام عن نهر النيل ، ويمثل هذا التيار داخل المجتمع النوبي رئيس الاتحاد النوبي العام السابق “هاني يوسف” و”محمد الشيخ” ويتماس معه رغم الاختلاف في بعض المواقف حركة “كتالة” المسلحة برئيسها ومؤسسها “عوض عبد الظاهر” ومديرها التنفيذي “اسامة فاروق ” والتي ظهرت بشكل مفاجئ ازعج الرأي العام المصري في عهد الاخوان، عندما اعلنت عن اتجاهها حمل السلاح في مواجهة “الاخوان” وتحقيق مطالب اهالي النوبة .
وبين هذا وذاك تتباين درجات الانتماء لهذين المعسكرين ، إذ نجد معظم اعضاء النادي النوبي العام والذي يرأسه “صلاح زكي مراد” ابن المناضل النوبي الراحل “زكي مراد” يقفون موقف المحايد والوسطية في الخطاب مع الدولة وينحاز لهذا الاتجاه الوسطي ائتلاف شباب النيل ويمثله “احمد جرين” .
وقد ظهر الخلاف الحاد بين معسكري الحمائم والصقور في قضيتين شغلتا الرأي العام النوبي منذ فترة الاولى كانت في التصادم الذي حدث مع الدولة ممثلا في المخابرات العسكرية عندما منعت حسب القانون مرور لجنة نوبية كانت تتجه لعبور بحيرة ناصر خلف السد العالي في طريقها الى ميناء “قسطل” البري على الحدود المصرية السودانية ، حيث ينص القانون لحساسية المنطقة بضرورة حصول العابر للبحيرة على تصريح ما لم يكن من اهالي منطقة ابوسمبل ، ومع تكاسل الوفد النوبي والذي ترأسه “هاني يوسف” رئيس النادي النوبي العام وقتها في الحصول على التصريح ظنا منه ان الامر لا يحتاج وان موافقة المحافظ الضمنية على الزيارة والتنيسق المسبق معه يعتبر تأشيرة مرور في العبارة للشاطئ الاخر من البحيرة ولكن اصرار ضابط المخابرات المسئول عن الموقع على اتخاذ الاجراءات القانونية ازعج الوفد بقيادته مما ادي الى مشادات كلامية من قبل بعض المشاركين في الوفد ، وتهديد البعض الاخر بحرق الميناء ومن قبله نقطة الحدود التي حدث عندها هذه المشادة الكلامية وهذا بحسب رواية شهود العيان .
وما ان وصلت الاخبار لمعسكر الحمائم حتى اتجهوا لنقطة الحدود محاولين تهدئة الموقف ولم الموضوع في اضيق حدود والتوصل لحلول وسط ترضي الجميع ، تم بعدها موافقة ضابط المخابرات العسكرية المسئول على ان يمنح التصريح لكل خمسة مجتمعين كزائرين لاحد المقيمين في المنطقة بما لا يخالف القانون وبالفعل تم تجهيز التاريح ولكن هذا الاتفاق لم يرض معسكر الصقور الذين صعدوا الموقف من باب ان هذه بلدهم وتلك منطقتهم فلا يليق ان يعاملوا معاملة الرعايا في بلدهم مصر حتى يضطروا الى الحصول على ترخيص للمرور من مكان الى اخر ، وتم الغاء الزيارة المقررة وعاد الوفد باعضائة الذين كان عددهم يزيد عن 40 شخصا .
تطور الموقف واصبح جبهة صراع يظهر فيه كل معسكر قوته وقدرته على الحشد حيث اجتمع اعضاء الاتحاد النوبي العام وعلى رأسهم “هاني يوسف” ” الصقور” ، هددوا بالتصعيد في مواجهة النظام واللجوء الى التحكيم الدولي ورفع قضايا ضد النظام المصري امام المحكمة الافريقية وكذلك امام مفوضية حقوق الانسان شاكين تعنت الحكومة والنظام المصري في التعامل مع النوبيين والتلكؤ في اعادة توطينهم .
على الفور اعلن معسكر الحمائم بقيادة “عادل ابوبكر” واعلن رفضه خطوات التصعيد وخاصة الاحتكام للخارج والذي من شأنه تأكيد مزاعم الاستقواء بالخارج في مواجهة النظام ، واكد على ان القضايا المصرية شأن داخلي حتى وان ظهرت خلافات مع النظام الحاكم .
ويظل معسكري الحمائم والصقور داخل الاروقة النوبية يحتفظان بتماسكهما ومواقفهما ، حتى بعد ازاحة الاخوان من السلطة ، وقد حدث تطور طفيف في موقف الحمائم في ملف التدويل للقضية النوبية ، حيث اتحدوا مع الصقور في الموافقة على التدويل امام المؤسسات القانونية والحقوقة الدولية ، وقد بدأوا بالفعل جمع الاوراق لمحامي بلجيكي ، لكن ينتظرون ان تهدأ الامور في البلاد ، وتتضح الصور بملامح اكثر ايجابية، بما يعطي الحكومة والنظام الحالي سلطات وقدرات تسمح لهم بتفعيل القضية النوبية والالتفات الى مطالبها.