استغرقت دراسته 9 سنوات.. حجر لا يقدر بثمن فريد من نوعه يسقط في دولة عربية
النيازك هي أجسام صلبة تنفصل عن النجوم أو الكويكبات في الفضاء نتيجة لتعرضها لصدمة عنيفة، وتتحول إلى نيازك عندما تدخل الغلاف الجوي للأرض.
وعند وصولها للأرض، يقوم الباحثون والمختصون بدراستها بعناية، وتحليل مكوناتها بدقة باستخدام أحدث التقنيات الحديثة، وقد يتطلب ذلك وقتًا وجهدًا وتضحيات كبيرة.
في يوليو/تموز 2011، سقط في المغرب نيزك مريخي بالاسم “تيسينت” (Tissint)، كشفت دراسته عن تنوع غير مسبق في المركبات العضوية، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في دورية “ساينس أدفنسز” (Science Advances) في 12 يناير/كانون الثاني 2023. الفريق البحثي الدولي، الذي يضم باحثين من المغرب وأمريكا وألمانيا والنمسا والمجر، قاده الأستاذ فيليب شميت كوبلين من جامعة ميونخ التقنية.
حسناء الشناوي أوجهان، الباحثة المغربية ورئيسة مؤسسة الطارق، أحدثت إشراقًا في حديثها عبر الهاتف للجزيرة نت، حيث أكدت أهمية هذه الدراسة العلمية وقيمتها الكبيرة في تقديم معلومات حول المكونات العضوية.
العثور على النيزك المريخي على بعد 48 كيلومترا من بلدة “تيسينت” (حسناء الشناوي أوجهان)
اكتشاف غير مسبق
وأكدت الدكتورة حسناء خلال مقابلتها مع الجزيرة نت “هذا الاكتشاف سابق من نوعه لأنه لا وجود لنيزك مريخي يتضمن هذا الكم من التنوع في المواد العضوية”.
ووفق البيان الصحفي لمعهد “كارنيغي للعلوم” (Carnegie Science Institute) فإن “تيسينت” -الذي سقط في المغرب منذ أكثر من 11 عاما- هو واحد من 5 نيازك مريخية فقط تم رصدها أثناء سقوطها على الأرض، وتم العثور على قطع منه منتشرة في صحراء على بعد حوالي 30 ميلا من بلدة “تيسينت” التي سمي باسمها والتي تقع جنوب المملكة.
ويضيف المعهد في بيانه أن الكشف عن مركبات نيزك “تيسينت” العضوية يمكن أن يساعد العلماء على فهم ما إذا كان الكوكب الأحمر قد استضاف الحياة، بالإضافة إلى فهم التاريخ الجيولوجي للأرض.
وحسب دراسة سابقة أجريت على “تيسينت” أوائل 2012 منشورة بدورية “ساينس” (Science) من طرف فريق بحث دولي بقيادة الدكتورة حسناء، فقد أثبت العلماء أن المريخ كان في السابق رطبا، وأن انطلاق هذا النيزك من سطح هذا الكوكب حدث قبل أقل من مليون سنة بعد حدث عنيف جدا.
وتضيف الدكتورة حسناء “الأبحاث العلمية التي تنجز على النيازك المريخية مهمة جدا، لأنه حتى الآن ليس هناك أية أحجار مريخية جاءت عن طريق الرحلات الاستكشافية، ويتوقع أن تأتي عينات من أحجار المريخ عن طريق الرحلة الاستكشافية الموجودة بكوكب المريخ الآن، منذ مارس/آذار 2020 والتي يتوقع أن ترجع إلى الأرض عام 2024”.
الباحثة حسناء قادت فريقا دوليا لإنجاز دراسة أوائل 2012 على نيزك تيسينت (حسناء الشناوي أوجهان)
هل كانت الحياة موجودة على المريخ؟
تقول الباحثة المغربية “الاهتمام الآن مسلط على المريخ للجواب على سؤال: هل الحياة موجودة على هذا الكوكب المقارب للأرض؟ لأن هناك اعتقادا لدى العلماء أن المريخ في السابق كان يحتوي على الماء أو السوائل، لكن ما يزال السؤال المطروح: هل هناك أحياء على سطح المريخ؟”.
وتضيف “هذه الدراسة حول حجر جاء من سطح المريخ تعطينا فكرة لدراسة المكونات والمواد العضوية، لأن المواد العضوية هي المكونات واللبنات الأولى لظهور الحياة في أي مكان، وهذا التساؤل مهم للباحثين وللجمهور العام الذي يتساءل: هل هناك حياة على سطح المريخ”.
ويشير البيان الصحفي لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إلى أن “الأرض والمريخ كوكبان متشابهان نسبيا في تطورهما، ومع ذلك ظهرت الحياة وازدهرت على الأرض، لكن حتى الآن لا يوجد دليل قاطع على وجودها على المريخ من قبل”.
وأكد البيان أن “التنقيب عن المواد العضوية الموجودة في نيزك تيسينت يمكن أن يساعد في الإجابة عن سؤال حول وجود أيٍ من أشكال الحياة في الماضي على كوكب المريخ”.
ويضيف البيان “الدراسة المتعمقة للجزيئات العضوية الموجودة في نيازك المريخ، خاصة تيسينت، وهو سقوط مرصود لم يتأثر بالعوامل الأرضية الخارجية، وبذلك سيكون مهما في الإجابة عن هذا السؤال الأساس. وقد أظهر العمل على النيازك المريخية أن هذه الجزيئات يمكن أن تتشكل من خلال عمليات غير بيولوجية تسمى الكيمياء العضوية اللاأحيائية”.
النتائج تمهد الطريق لدراسة العينات العائدة من المريخ إلى الأرض (حسناء الشناوي أوجهان)
نتائج مهمة للغاية
ويؤكد الباحثون من خلال هذا الاكتشاف أن العمل المنشور بهذه الدراسة يقدم السجل الأكثر شمولاً على الإطلاق لتنوع المركبات العضوية الموجودة في نيازك المريخ، ويُظهر وجود صلة بين الجانب المعدني للنيزك والتنوع غير المسبوق للمركبات العضوية التي يحتوي عليها. كما كشفت دراسة هذه المواد العضوية اللاأحيائية التي تشكلت من تفاعلات الماء والصخور عن معلومات حول العمليات التطورية لوشاح المريخ وقشرته.
كما عثر الباحثون على مركبات المغنيسيوم العضوية على سطح المريخ بوفرة لم يسبق لها مثيل، وهي مجموعة من الجزيئات العضوية المهمة، خاصة وأنها توفر معلومات عن الضغط العالي والعامل الجيوكيميائي لدرجات الحرارة المرتفعة التي يعاني منها باطن الكوكب الأحمر، كما توضح وجود صلة بين دورة الكربون وتطوره المعدني.
وإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن تفاصيل حول كيفية تطور العمليات التي تحدث في قشرة المريخ، خاصة فيما يتعلق بالمواد العضوية اللاأحيائية التي تشكلت من تفاعلات الصخور مع الماء.
الدراسة تقدم السجل الأكثر شمولا لتنوع المركبات العضوية في نيزك المريخ (حسناء الشناوي أوجهان)
مزيد من البحث مستقبلاً
وحول مستقبل البحث بهذا الاكتشاف تنهي حسناء حديثها بالقول “البحث العلمي لا ينتهي، وهذا التوجه يدخل ضمن علم بيولوجيا الفضاء، وكل إمكانيات التحاليل التي يمكن إجراؤها على المواد العضوية والبحث عن الماء تعطي فكرة عن مصدر الحياة وتكوين الحياة. أما النيازك المريخية بصفة عامة فهناك العشرات والمئات من المقالات العلمية التي تنشر عنها”.
وقد خلص البيان الصحفي لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء إلى أن “ميزة هذه الدراسة أنها تعد مقدمة تمهد الطريق لدراسة العينات العائدة من المريخ إلى الأرض، لاسيما تلك المتعلقة بتكوين المركبات العضوية واستقرارها وديناميتها في بيئات المريخ الحالية”.
كما أنها ستثري المساهمة بالأبحاث حول المريخ، وتؤكد على جهود بذلها باحثون من جامعة الحسن الثاني ومؤسسة الطارق لأكثر من 20 عاما لتعزيز النيازك المغربية على الصعيدين العلمي والتراثي.
تستغرق الأبحاث العلمية الكثير من الوقت والجهد، وقد تمتد لعشرات السنين، ناهيك عن مراحل تحليل النتائج وتدقيقها ونقلها بأفضل الطرق.
تركيا بالعربي – متابعات
Sorry Comments are closed