من رعاية الأطفال إلى تربية الكلاب: تحوّلات في القيم المجتمعية وتبني النموذج الغربي

17 أبريل 2025Last Update :
من رعاية الأطفال إلى تربية الكلاب: تحوّلات في القيم المجتمعية وتبني النموذج الغربي

من رعاية الأطفال إلى تربية الكلاب: تحوّلات في القيم المجتمعية وتبني النموذج الغربي

في مشهد أصبح متكرراً في العديد من المدن، نرى عربات مُخصّصة للقطط والكلاب تتنقل بين الأرصفة، تقودها أيدٍ حنونة تعتني بحيواناتها وكأنها أطفال. قد يبدو هذا المشهد بريئاً ومألوفاً في البداية، لكنه يحمل في طيّاته دلالات اجتماعية وثقافية عميقة تعبّر عن تحوّلات جذرية في نظرة الإنسان للأسرة والمسؤولية والعلاقات الاجتماعية.

أولاً: انخفاض تحمّل المسؤولية وتفريغ الحاجات العاطفية المؤقت

تربية الحيوانات الأليفة، خصوصاً الكلاب، باتت وسيلة لإشباع الحاجات العاطفية لدى فئة من الناس، لكن الفارق الجوهري بينها وبين تربية الأطفال هو في عمق الالتزام والمسؤولية، فالحيوانات يمكن التخلي عنها في أي لحظة عند تغيّر المزاج أو تبدّل الظروف، وهو ما نشهده من تزايد في حالات رمي الكلاب والقطط في الشوارع، وكأنها كانت وسيلة مؤقتة لسدّ فراغ عاطفي أو اجتماعي.

هذا النمط من التعامل يعبّر عن أزمة في تحمّل المسؤولية؛ إذ يتم اختيار الحيوان كبديل عن الطفل، ليس فقط لتجنّب المسؤولية المادية، بل لتجنّب المسؤولية التربوية والالتزام طويل الأمد.

ثانياً: العزلة وتراجع الروابط الاجتماعية

يميل الأفراد الذين يستبدلون تكوين الأسرة بتربية الحيوانات إلى نمط حياتي يميل نحو العزلة، حيث تغني الكلاب خصوصاً عن التواصل الاجتماعي. فهي توفر الرفقة والانتباه والحب غير المشروط، دون الحاجة إلى التفاعل الإنساني المعقّد. هذا يعزّز النزعة الفردانية ويضعف الروابط المجتمعية التي كانت تقوم في السابق على الأسر الممتدة، والالتزامات المشتركة، والتربية الجماعية.

ثالثاً: تغير أسس المجتمع وانتقال المفهوم إلى المجتمعات المسلمة

هذه الظاهرة لم تعد حكراً على المجتمعات الغربية التي انبثقت منها، بل بدأت تظهر بوضوح في المجتمعات المسلمة، تحت تأثير التقليد والرغبة في الاندماج في النموذج الغربي الحديث. وهو ما يعكس حالة من غياب الهوية وعدم وضوح الرؤية الذاتية، حيث يتم اعتماد أنماط حياة دخيلة دون نقد أو تمحيص، وكأنها النموذج الأمثل للتطور والحرية.

رابعاً: الكلاب كبديل عاطفي عن الأطفال

بالمقارنة مع القطط التي تُعرف باستقلاليتها واحتياجها المحدود للتواصل، فإن الكلاب تملأ الفراغ العاطفي بشكل يشبه دور الأطفال في حياة الإنسان، فهي تتعلق بصاحبها، تطلب اهتمامه، وتمنحه الحب والرفقة. لذلك، فإن بعض الأشخاص يتخذونها فعلاً كبديل عن فكرة الإنجاب، ما يعكس تحوّلاً حقيقياً في مفهوم العائلة والوظيفة العاطفية التي كانت تُؤدّى تقليدياً عبر الأبناء.

وختاما: التحوّل من تكوين الأسر إلى تربية الحيوانات كبديل عاطفي واجتماعي هو أكثر من مجرد تغيير في نمط الحياة؛ إنه مؤشّر على تحوّل عميق في القيم والهويات، لا يمكن فهمه فقط من باب الحرية الفردية أو الراحة النفسية، بل يجب تحليله كجزء من أزمة أوسع تطال مسؤوليات الإنسان، وهويته، وصلته بمجتمعه. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في هذه الظواهر، ليس من منطلق الرفض، بل من منطلق الفهم النقدي الذي يسعى إلى ترميم ما تفتّت من قيم ومفاهيم.

كتابة و تحرير: لمى الحلو

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.