علَّقت روسيا على دخول الميليشيات المرتبطة بها إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي وفرض سيطرتها عليها بعد أشهر من القصف المكثف وقتل وتهجير ساكنيها، كما دعت للالتزام بالاتفاقيات الخاصة في منطقة خفض التصعيد.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” عن ترحيب روسيا بسيطرة نظام الأسد على خان شيخون، موضحاً أن بلاده تعتبر هذه الخطوة “نصراً على الإرهاب”.
وقال “بيسكوف” في تصريح صحفي اليوم الخميس: “دار الحديث منذ البداية عن أن الحرب ضد الإرهاب وضد الجماعات الإرهابية ستتواصل في كل المناطق؛ ولذلك لا يسعنا سوى الترحيب بمثل هذه “الانتصارات المحلية” على هذه الجماعات”.
بدورها شددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الخاصة بإدلب التي تهدف إلى مواصلة قتال “الإرهابيين” وضمان أمن المدنيين، حسب زعمها.
وأضافت “زاخاروفا” في تصريحات نقلتها وكالة نوفوستي الروسية: “في هذا السياق سنواصل التعاون مع تركيا في إطار اتفاق سوتشي والذي تم التوصل إليه في 17 من أيلول عام 2018”.
تجدر الإشارة إلى أن الميليشيات المرتبطة بروسيا بدأت ظهر اليوم بالتوغل في أحياء مدينة خان شيخون مدعومة بمقاتلين وصحفيين روس، وذلك بعد انسحاب الفصائل الثورية منها قبل أيام؛ خشية وقوعها في الحصار وذلك بعد معارك عنيفة دارت في محيط المدينة تكبدت الميليشيات خلالها خسائر كبيرة في العدد والعتاد.
وفي سياق متصل نشر مقا تلو ن من قوات النظام السوري وإعلامي روسي صورًا من داخل مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.
وقال الصحفي الروسي Oleg Blokhin، المرافق للعمليات العسكرية لقوات النظام عبر حسابه في “تلغرام”، اليوم، الخميس 22 من آب، إن مقاتلي النظام دخلوا المدينة.
ونشر الصحفي صورًا مع قيادي في قوات النظام من داخل مدرسة الصناعة بخان شيخون، إصافة إلى نشره تسجيلين يظهران تجوله في المدينة إلى جانب عناصر من قوات النظام.
كما نشرت صفحات موالية للنظام، منها “شبكة أخبار سوريا الوطن”، صورًا للمقاتلين من داخل مدينة خان شيخون رافعين علم النظام.
وتظهر الصور وجود “تركس” في محاولة لفتح الطرقات في المدينة، بعد دخول قوات النظام إليها.
الجيش العربي السوري ينتشر في هذه اللحظات داخل خان شيخون ويبدا تمشيطها بعد انسحاب آخر إرهابي منها .
مبروك تحرير إحدى اكبر مدن إدلب . pic.twitter.com/dCRnYljIoJ— أخبار سوريا الوطن Syrian 🇸🇾 (@SyriawatanNews) August 22, 2019
ولم يعلن النظام السوري رسميًا دخول قواته إلى المدينة، حتى ساعة إعداد التقرير.
ويأتي الدخول إلى خان شيخون، بعد أيام من انسحاب الفصائل المقاتلة من المدينة، عقب تقدم قوات النظام على أطرافها ومحاولة إطباق الحصار على الفصائل.
وشهدت أطراف المدينة خلال الأيام الماضية تصعيدًا عسكريًا وهجومًا من قبل قوات النظام مدعومة بسلاح الجو الروسي وميليشيات إيرانية ولبنانية.
تركيا تؤكد مجددًا عدم سحب نقطة المراقبة من ريف حماة
وأعلنت الفصائل المقاتلة ضمن “غرفة عمليات الفتح المبين” انسحابها من مناطق في إدلب، دون تسميتها.
وبقيت مدينة خان شيخون خالية من أي وجود عسكري سواء النظام أو الفصائل، في ظل اجتماع تركي- روسي من أجل بحث مصير المنطقة.
ولم تخرج نتائج الاجتماع إلى العلن، حتى لحظة إعداد التقرير.
ويسود غموض حتى الآن حول مصير نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشرقي، بعد قطع الإمداد عنها نتيجة الحصار الذي فرضه النظام بعد دخوله مدينة خان شيخون، وسط تأكيد تركي بعدم سحب النقطة.
هكذا سقطت خان شيخون في يد نظام الأسد
ليست هذه المرة الأولى التي يسيطر فيها النظام على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي. وقد تناوبت مختلف القوى في السيطرة عليها خلال أحداث الثورة السورية، وتعرضت للقصف بكل أنواع الأسلحة.
لكن، هذه المرة، سيطرت مليشيات النظام على المدينة بدعم روسي هائل، بعدما تمّ تدميرها، وتفريغها بالكامل من أهلها ومقاتليها. وكما المجرم يعود إلى موقع جريمته، دخلت مليشيات النظام بلدة خان شيخون من حارتها الشمالية، لمسح آثار الهجوم الكيماوي الذي قتل أطفال المدينة، في نيسان 2017.
وتعود أهمية خان شيخون، لتوسطها مناطق بالغة الأهمية، ريف حماة الشمالي جنوباً، وسهل الغاب غرباً، ومنطقة جسر الشغور ثم الحدود السورية التركية في الشمال الغربي، ومعرة النعمان شمالاً، والسهول الفسيحة المتصلة بالبادية السورية شرقاً.
وشاركت المدينة مبكراً في الثورة، إذ خرجت أولى المظاهرات فيها في نيسان/أبريل 2011، وهو ما عرضها لحملات عسكرية وأمنية متعددة من قبل النظام، كان أولها في آب/أغسطس 2011، تلتها حملة ثانية في 22 أيلول/سبتمبر. واعتُقل العشرات من أبنائها، فضلاً عن احراق بيوتهم ونهب ممتلكاتهم. ونصبت المليشيات عشرات الحواجز حول المدينة، ما دفع أبنائها لحمل السلاح، واستهداف الحواجز والقوى الأمنية.
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر 2011، تعرضت خان شيخون لحملة عسكرية ثالثة من مليشيات النظام، لتأمين طريق دمشق-حلب الدولي الذي يمر في طرفها الشرقي، بحيث تستمر تنقلات عناصر النظام وآلياته. وتزامن ذلك مع استمرار الاحتجاجات، التي شهدت انشقاقات علنية لضباط وعناصر من الخان عن قوات النظام. وانتظم حاملو السلاح بعدها في كتائب الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية، وبدأ العمل العسكري المعارض يأخذ منحى جديداً.
وترافق ذلك مع تصعيد تدريجي من قبل النظام، الذي اجتاح المدينة في 4 تموز/يوليو 2012، وسيطر عليها بالكامل، ودفع بالكتائب نحو الأرياف والمزارع المحيطة.
واستمرت سيطرة النظام على المدينة إلى أن بدأت المعارضة في شباط/فبراير 2014، تنفيذ هجمات متتالية على حواجز النظام في محيطها، استمرت نحو 3 أشهر، أسفرت في النهاية عن السيطرة على كامل المدينة، وفرض حصار جزئي على قوات النظام في معسكرات الحامدية ووادي الضيف.
وشكّلت خان شيخون معقلاً أساسياً لانطلاق الفصائل التي انضوت في ما بعد ضمن “جيش الفتح” الذي سيطر على معسكرات النظام في الحامدية ووادي الضيف عام 2015.
وشهدت المدينة خلال عام 2016، اشتباكات وخلافات بين الفصائل ضمنها. إذ دارت معارك بين “جند الأقصى” و”حركة أحرار الشام الإسلامية” في المدينة، أسفرت عن سيطرة “الجند” على مقرات “الحركة”. لتعود “الحركة” بمؤازرة فصائل أخرى لقتال “جند الأقصى” الذين اضطروا بعد انكسارهم عسكرياً لمبايعة “هيئة تحرير الشام”. غير أن “الجند” عادوا وانفصلوا عن “الهيئة”، وحاولوا السيطرة على خان شيخون واتخاذها مقراً لـ”إمارتهم” مطلع العام 2017. واحتجز “الجند” العشرات من مقاتلي الجيش الحر في ريف حماة الشمالي، معظمهم من “جيش النصر”، وقاموا بتصفيتهم في ما بعد.
وبعد فترة وجيزة، هاجمت “هيئة تحرير الشام” “جند الأقصى” في محيط خان شيخون وحاصرتهم هناك، قبل أن ينسحبوا منها في النهاية باتجاه مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” شرقي البلاد.
وفي تمام الساعة السادسة من صباح 4 نيسان/أبريل 2017، تعرض الحي الشمالي في خان شيخون لقصف جوي بصواريخ محملة بغاز السارين السام، أسفر عن اختناق 100 شخص حتى الموت، أغلبهم من الأطفال، وإصابة نحو 500 آخرين.
وفي 7 نيسان/أبريل 2017، قصفت الولايات المتحدة الأميركية بـ59 صاروخاً موجهاً من طراز توماهوك، مطار الشعيرات العسكري التابع لمليشيات النظام، الذي انطلقت منه الطائرة المحملة بصواريخ السارين، رداً على الهجوم الكيماوي.
المصدر: المدن