ما هي خيارات تركيا لمواجهة التصعيد الروسي في إدلب؟
يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم إلى العاصمة الروسية موسكو للقاء فلاديمير بوتين، في ظل تصعيد عسكري كبير ضد الشمال السوري أعلنت أنقرة رفضها له مؤكدة على ضرورة الالتزام بمخرجات أستانا وسوتشي.
وما يزال الرتل العسكري التركي الذي كان متوجهاً إلى خان شيخون متوقفاً شمالها بينما تتعنت روسيا في رفض سحب ميليشياتها، وهو ما أدى إلى تعثر المفاوضات وربما فشلها.
بعد زيارة موسكو – يقول أردوغان – إنه سيتصل بالرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب لبحث ملف إدلب إلى جانب ملفات المنطقة اﻵمنة واللاجئين وسوريا بشكل عام، فهل يستطيع الأتراك الحصول على موقف أمريكي داعم في وجه الروس؟.
في إفادته لـ”نداء سوريا” يرى الباحث السوري عبد الوهاب عاصي أنه “لا يوجد أمام تركيا خيارات متعددة في إدلب بعد التغييرات الميدانية التي طرأت بفعل الحملة العسكرية لقوات النظام السوري المدعومة جويّاً وبريّاً من روسيا وإيران”.
وحصر خيارات أنقرة على اﻷغلب في محورين: “الأول، محاولة إقناع روسيا عبر السبل الدبلوماسية بالتوصل لصيغة جديدة من اتفاق سوتشي تحافظ على الحد الأدنى من مصالحها، وتقوم على القبول بمقاربة موسكو التي تم رفضها سابقاً حول المنطقة العازلة، أي تسيير دوريات مشتركة وإقامة نقاط تفتيش مشتركة، مع إخراج السلاح الثقيل والمتوسط، وكذلك إبعاد التنظيمات الجهادية عن نطاق هذه المنطقة والفصل بينها وبين فصائل المعارضة المعتدلة على أن تلتزم هذه الأخيرة بمسار وقف إطلاق النار”.
ويرى “عاصي” أن موسكو لن تقبل بانسحاب ميليشياتها من القطاع الجنوبي لمنطقة خفض التصعيد، وبالتالي فإن أنقرة سوف تدفع لصيغة تضمن فيها بقاء مركز المراقبة في مورك على أن يتم اقتصار الوجود العسكري على القوات الروسية، مع التأكيد على ضرورة إعادة اللاجئين دون الاعتراض على بقاء نشاط النظام السوري إدارياً في مدن وبلدات المنطقة.
الخيار الثاني أمام أنقرة وفقاً لعاصي هو “الاستمرار باتخاذ الخطوات اللازمة لعرقلة جهود الميليشيات الروسية في السيطرة على مزيد من المناطق في المنطقة العازلة أو عمق محافظة إدلب، أو إبطاء وصولها على أقل تقدير واستنزافها لأبعد حد”.
وهذا الخيار سيكون “في حال أخفقت السبل الدبلوماسية بين البلدين، ويأتي في هذا الصدد إقامة النقطة العسكرية بالقرب من حيش (11 شمال خان شيخون)، إضافة إلى تقديم مزيد من الدعم للفصائل الثورية لتعزيز جهودها الدفاعية ومقومات الاستمرار في العمليات القتالية على النواحي اللوجستية والمادية”.
وسيكون هذا الخيار وفقاً للباحث السوري وسيلة لا بدّ منها لحين إيجاد الحل الأنسب لوقف العملية العسكرية والحفاظ على المصالح الأمنية والسياسية في الشمال السوري.
من جهته قال الباحث محمد سالم لـ”نداء سوريا” إن “خيارات تركيا في إدلب تبدو صعبة جداً، وتكاد تنحصر بالتوافق مع روسيا دون أن يكون لديها أوراق تفاوضية ضاغطة بديلة في حال عدم التوافق”.
وتوقع أن يجعل هذا التوافق “أقرب للشروط الروسية غالباً” حيث إنه “ومن المعلوم أن أي توافق يمثل موازين القوى على الأرض، واليوم، تحاول روسيا أن تجبر تركيا على التفاوض في ظروف صعبة تتمثل بوجود إحدى نقاطها محاصرة لتثبت أن لها اليد العليا في إدلب، وذلك بالتوازي مع ذهاب الرئيس التركي إلى موسكو عاصمة روسيا للقاء بوتين، ويعكس مكان اللقاء أيضاً موازين القوى على الأرض”.
وفيما يتعلق بخيارات تركيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة ضد روسيا، يبدو هذا اﻷمر بالنسبة لسالم مستبعداً في إدلب تحديداً، حيث لا ترى الولايات المتحدة أي أولوية أو مصلحة لها في إدلب، رغم وجود موقف معلن يدين تحركات النظام والروس، إلا أنه لا يعدو أن يكون مجرد موقف دبلوماسي تجميلي بحيث يظهر نوعاً من التضامن الإنساني، دون أن يكون له مفاعيل واضحة حقيقية على الأرض، كما هو الموقف الأمريكي منذ بداية أحداث الثورة السورية، ويُعد موقفها من استخدام السلاح الكيماوي مثالاً واضحاً، رغم حدوث نوع من الدعم المعلوماتي الأمريكي المحدود سابقاً كنوع من إرضاء تركيا في ملف شرق الفرات، أو الضغط على روسيا لمنع تفكيرها بشرق الفرات بعد إدلب، إلا أنه دعم ضعيف وعرضة للتذبذب بحسب التوافقات الأمريكية التركية شرق الفرات.
وقد شنّت الفصائل الثورية صباح اليوم الثلاثاء هجوماً واسعاً على مواقع الميليشيات الروسية في ريف إدلب الجنوبي الشرقي واستطاعت قتل نحو 40 عنصراً واغتنام كميات كبيرة من الذخائر، في ضربة استباقية ﻹفشال محاولات التقدم نحو “التمانعة” في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وتبقى التطورات مرهونة أساساً بما تستطيع الفصائل الثورية تحقيقه في الميدان حيث يتم فرض اﻷمر الواقع بدلاً من الاعتماد على الدبلوماسية التركية وحدها.
وبالتأكيد يصل الرئيس التركي إلى العاصمة الروسية اليوم بموقف أقوى بعد الهجوم جنوب شرق إدلب، كما سيساهم في إضعاف الموقف الروسي.
ويحاول الأتراك الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار و”إحلال السلام” في محافظة إدلب ومحيطها، وفي حال كتب لمشروع المنطقة اﻵمنة النجاح وتمكنت أنقرة من فتح شرق الفرات على غربه فسيكون ذلك دفعاً مهماً جداً للشمال السوري.
كما تسعى أنقرة إلى إيجاد سبل للتعاون والتفاهم مع الولايات المتحدة لتحقيق رؤيتها التي ما تزال نظرية في إيجاد حل سياسي بسوريا بعيداً عن اﻷسد.