السوريون يتقنون صناعة أصنامهم!
بقلم أحمد طالب الأشقر
إن صناعة الأصنام سلوك مضطّرب في الشعوب فاقدة ” الإتجاه الصحيح ” حيث تقودهم العاطفة نحو الهاوية في غياب شبه تام للإدراك والوعي !.
والأصنام التي أعنيها ليست مصنوعة من الأشياء الملموسة التقليدية كالحجر والخشب وغيرها، بل هي أوهام وترّهات صنعتها تصوراتهم العاطفية أو الذهنية المشوشة والمشوهة عن مؤسسات وشخصيات لامست مكانتهم عندهم حد التقديس، حيث اضفوا عليهم هالة عظيمة من الكمال والمثالية وهم لا يستأهلون تلك المكانة على كل حال !.
ففي مجتمعاتنا العربية والمجتمع السوري على وجه الخصوص أصنام كثيرة، كصنم الوطن والثورة والعشيرة والمنطقة والقائد وصنم رجل الدين وغيرها، حاضرة وبقوة في لقاءات السوريين وفي منتدياتهم وحتى في فضاءاتهم الافتراضية ومناقشاتهم الودّية والجدليّة والتي تتمحور حولها و لا تنفك عن الدوران في فلكها.
وستبقى تدور في فلك هذه الدوامة بين جهلة مُجهّلون ومثقفون مغيبون ، ينافحون ويدافعون عن صنمهم الذي يحافظ علي ( أتباعه) في دائرة طاعته وقدسيته، والمصيبة عندما يكون هذا الصنم، أياً كان، يمثل جهةً أو أشخاصاً انتفاعيين ذووا مصالح سياسية واقتصادية و اجتماعية ولهم دكاكين ارتزاق يعيشون عليها، والمصيبة الأكبر عندما يعمل اتباعهم على اضفاء القدسية على جميع أقوالهم وأفعالهم وتحركاتهم وتنزيههم عن الشبهة وبهذا يكونوا قد ضمنوا لأنفسهم أكبر فترة ممكنة في استحلاب مريديهم واستحلاب الظروف التي حافظت عليهم ولأكبر فترة ممكنة .
إذاً، فما قدسية الوطن إن لم يكن أهله فيه كرام ، تكون نفوسهم فيه مطمئنة ، قلوبهم آمنة وكرامتهم محفوظة وأعراضهم مصانة ، وروابطهم بينهم قوية ، فإذا لم يحقق الوطن لأبنائه شيئاً من هذا فما قيمته ؟!
وينطبق هذا الحال أيضاً على مؤسسات قضائية ورجال فكر وفقهاء قانون وغيرهم، فما قيمتهم إذا لم تُحمَ القيم، وتُحفظ الهوية، ويُقام العدل ، وينُصر المظلوم، ويُضرب على يد الظالم؟!
وايضاً ما قيمة الرمزية و الأيقونية الثورية التي تمجدها الشخوص في صرعاتها مع الآخر وتجعلها محور تقديس وتضفي عليها الهالة، وهي ذاتها عبيد لأصنام أخرى صنعتها ذات الشخوص من أصنام سياسية رجعية و ثورية دكتاتورية وأحزاب وتيارات دينية تقليدية سلطوية تسعى للسلطة بمشعل الثورة وبأي ثمن كان !.
وعلى هذا المبنى أليس من الأولى الإقرار بالخطأ واتباع الحق والإعتراف بما يجب الإعتراف به من ضبابية السعي والإنهزامية في المواجهة ، أوليس التوقف عن الطواف حول الاصنام تلك والتوقف عن تقديسها في نفوس الأتباع جيلاً بعد جيل هو الأوجب عقلاً وفكراً وديناً ، كي لا تنشأ هذه الأجيال على ما وجدت عليه أباءها وتستمر الهزيمة النفسية، المستقرة أساسا، في النفوس مترسبة في قناعاتها على أنه لا يوجد مخلّص حقيقي لها سوى الصنم الذي صنعوه في قرارة ذواتهم !.
إذا فكل بناء وكيان وهيكل مادي أوكل منظومة فكرية وايدولوجّية بُنيت ضراراً وحققت خلاف أهدفها ، وجب هدمها ، وكل مفكر وشيخ وقائد يُضلّل اتباعه، ويُدلس عليهم ويفشل في مهامه في التحرر والانعتاق من الصنمية فهو “صنم” بذاته ويجب التخلص منه ، حيث ليس من حق أحد أن يتحدث عن فضل القائد ووجوب طاعته أو فضل الشيخ ووجوب ملازمته دون انجازات تذكر، لأنه ببساطة إمّا مُغيّب يعيش في الأوهام ، أو أنه يعلم ماذا يفعل، فقد يكون تاجراً في سوق الأصنام فعلا !
وعليه يمكننا القول، إن الفترة التي تسودها سلطة صنم ( فكري أو مادي )، مُسيطِرعلى مناحي الحياة السياسية والثورية والدينية، هي فترة انغلاق وانهزام ولايرجى لمعاصريها البرء ، ولن يتعافوا من دائهم ما داموا يختلقون القصص والإنجازات والمعجزات عن صنمهم ، ووضعه في منزلة أعلى من منزلته الحقيقية وليعلّقوا آمالهم عليه في الخلاص من واقعهم المزري وحياتهم المستباحة التي صنعوها بأيديهم. وبالمقابل لابد لهذا القائد من اشباع عواطفهم بالوعود والشعارات الكاذبة والبرّاقة ولابد من ملء وجدانهم بأمنياتهم التي طالما حلموا بها حيث لاسبيل لفشله، فلا بد من تبريرات تشبع وجدانهم التائه.
نحن – السوريين – يجب أن نكف عن صنع هالات مقدسة حول أشخاص معينين ونلمعهم وفي ذات الوقت يجب أن نكف عن أن نرى أنفسنا دائماً أقل من المستوى وبحاجة إلى أشخاص أو مجموعات محددة بذاتها، مؤثرة وقادرة على قيادتنا وتصحيح مساراتنا ثم نغضُّ الطرف عن أخطائها ونحاول أن نجد لها تبريرات مختلفة تحوّل أخطاءها إلى إنجازات ومفاخر ومآثر !.
فليست المشكلة الحقيقية في أن نفكّر بأن هناك من يتفوق علينا في جانب ما ، وإنما تكمن المشكلة فعلياً حين يختلط الأمر علينا ونجد مشكلة في التفريق بين الاقتداء بالقائد والقائد المُلهم والشيخ الداعية والشيخ المعصوم وبين المفكّر الثوري وصاحب الفكر المنزّه ، هي اذاً مرحلة تقديس تقودنا إلى عبادة وتبعية عمياء وصنميّة !.
وايضاً لابد للسوريين أن يعرفوا حقيقة مهمة، أن اصنام الجاهلية التي كانت تُعبد، لا تأكل ولاتشرب، وكانت منصوبة نصباً في العراء تتعرض لبرد الشتاء ولحر الصيف لتسعد عبّادها، وليكونوا راضين عليها!.
أما أصنامكم العاكفون عليها في الميادين كافة سياسياً ودينياً وثورياً وعسكرياً، تركب فاره السيارات وتقطن فاخر القصور وتحتسي النبيذ المعتق وتأكل أطيب الطّعام وتجول في شتّى الدول تتحدث وتتسول باسمكم وفق التفويض الصنمي الممنوح لها .
إنّ كهنةُ معابد السياسية والدّين، اصنام من صُنعكم، والكفر بهم واجب ومنعهم من سرقتكم واجبة وتوقفكم عن عبادة هذه الأصنام لايكفي بل يجب تكسيرها ومن ثم محاكمتها واغلاق الطريق على غيرها بأي سبيلٍ كان.
وختاماً ..
قد آن الأوان لإزالة القداسة عن كل ما هو غير مقدس حقيقة ، ويمنعكم العرف أو الخوف من المساس به أو انتقاده لأن جهلكم و خضوعكم هو تمجيد وتقديس فعلي ووثنية عمياء ونصب لا أصنام لا تجوز ولا ينبغي اتباعها فلا أحد يملك أن يمارس دور الوسيـط بينكم وبين ما تريدونه في شتى المجالات .